بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بمـا علمتنا ، و زدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ و مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، قَالَ : وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) .
(صحيح البخاري)
وأصح الأحاديث ما رواه الشيخان البخاري ومسلم .
أيها الإخوة : الله سبحانه وتعالى في سورة العصر حينما قال :
(سورة العصر)
كلمة وتواصوا بالحق أن تؤمن بالله ، وأن تعمل صالحاً لا يكفي ، لأنك إن آمنت بالله وعملت صالحاً فالباطل ينمو ، فإذا نما الباطل حاصر الإيمان ، فلا بد أن ينمو الإيمان نمواً يكون معه قوياً ، إذاً التواصي بالحق ركن أساسي من أركان الدين :
لكن التواصي بالحق يحتاج إلى مؤهلات ، من أبسط هذه المؤهلات أن تكون أنت مثلاً أعلى ، بمكانك أن تتحرك وأنت ثابت ، إذا كنت مثلاً أعلى الناس ينظرون يراقبون يلاحظون يتأملون ، فمن أوسع أنواع التواصي بالحق أن تطبق الإسلام ، أن تقيمه في بيتك ، وأن تقيمه في عملك ، أما علاقة هذا الحديث بالآية الكريمة فهو أن الإنسان يُسأل عما استرعاه الله ، بالدرجة الأولى ، أنت مسؤول عن هؤلاء الذين استرعاك الله عليهم ، أنت مسؤول عن هؤلاء الذين ولاك الله عليهم ، أنت مسؤول عن زوجتك وعن بناتك وعن أولادك الذين جعلهم الله تحت إمرتك ، وجعلك قيماً عليهم ، فحتى يتحرك الإنسان حركة صحيحة ضمن الأصول عليه أن يعتني بمن أوكلهم الله إليه ، فالحديث يقول : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).
يمكن أن نستخدم مثلا لتوضيح الفكرة ، الإنسان كلما ارتفع في الجو اتسعت دائرة رؤيته، بل إن رواد الفضاء الذين تخطوا جاذبية الأرض ، وساروا باتجاه القمر رأوا الأرض كلها ، بقاراتها وببحارها .
أنت إذا وقفت في الشارع لا ترى إلا بضع بنايات ، أما إذا صعدت إلى جبل قاسيون ترى دمشق بأكملها ، أما إذا ركبت الطائرة ، وارتفعت أربعين ألف قدم ترى ما مسافته مئتا كيلو متر تقريباً ، فكلما ارتفعت في الجو كلما اتسعت رقعة رؤيتك ، هذا المثل ينطبق تماماً على أن الإنسان كلما أعطي ميزة اتسعت دائرة مسؤوليته .
معلم في صف محاسب عن طلاب هذا الصف ، ثلاثين طالبًا ، لكن مدير المدرسة محاسب عن سبعمئة طالب ، فكلما كانت ولاية الإنسان أوسع ، وأوكل الله سبحانه وتعالى إليه أناسًا أكثر كانت مسؤوليته أوسع ، فحتى يتحرك الإنسان حركة صحيحة ، وحتى لا يهمل ما أوكله الله بهم ويتحرك حركة غير صحيحة ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ و مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، قَالَ : وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) .
هذا الحديث أصل في تحمل المسؤولية التي سوف يحاسب عنها الإنسان يوم القيامة ، كنت أقول هذه الكلمة : زيد من الناس أنت له وغيرك له ، لكن ابنك الذي هو في بيتك من له غيرك ؟ من غيرك يربيه ؟ من غيرك يدله على الله ؟ من غيرك يعنى بصحته ؟ من غيرك يعنى بدراسته ؟ من غيرك يعنى بأخلاقه ؟ من غيرك يعنى بمستقبله ؟ من غيرك يعنى بتزويجه ؟ فأنت مسؤول عن هذا الذي أوكله الله إليك ، وجعلك قيماً عليه ، جعلك أباً له ، أو زوجاً لهذه المرأة ، أو أخاً كبيراً لهؤلاء الإخوة وهكذا .
بالمناسبة لكن هذه المسؤولية يفهمها بعض الناس على أنها مسؤولية مادية ، فالأب يتوهم أنه بمجرد أن يجلب لأولاده طعاماً وشراباً ، وأن يؤمن لهم كسائاً في الشتاء ، ووقوداً وما يحتاجون من حاجات مادية ، فقد أدى الذي عليه ، والحقيقة أن المهمة الأكبر والأخطر ، والتي سوف يكون السؤال عنها أشد هي مسؤولية الأب عن دين أولاده وعن أخلاقهم وعن مستقبلهم الأخروي ، لأنه ورد في الأثر أن الابن إذا لم يعتن أبوه بدينه واستوجب النار ، يقول : يا رب لا أدخل النار حتى أُدخِل أبي قبلي !
فالأباء الذين يعتنون بأبنائهم من حيث طعامهم وشرابهم وكسائهم وحاجاتهم المادية ، ولا يلقون بالاً لدينهم وأخلاقهم وصلاتهم ومستقبلهم الأخروي ومصيرهم إلى الجنة أو إلى النار ، هؤلاء الآباء قدموا شيئاً زائلاً ينتهي بانتهاء الحياة .
فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما يقول : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )) .
الرعاية لا تتجزأ ، الرعاية وحدة متكاملة ، كما أنك ترعى صحته عليك أن ترعى دينه ، كما أنك ترعى حاجاته المادية عليك أن ترعى حاجاته الروحية ، كما أنك ترعى في ابنك ارتباطه في البيت يجب أن ترعى ارتباطه بالله عز وجل ، حقيقة أذكرها لكم مستنبطة من آية كريمة ، ولها علاقة وطيدة بهذا الموضوع ، لا تقتضي الرعاية العنف ولا القسوة ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف)) .
(تصحيح السيوطي: ضعيف )
لأن المعلم خير من المعنّف ، وأحاديث كثيرة تتحدث عن الرفق .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ)) .
(صحيح مسلم)
والله عز وجل رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، فكلما نما الإيمان في قلب الإنسان ازداد رفقاً بمن حوله ، ازداد لطفاً بمن حوله ، أحياناً يقرأ الإنسان الآية ولا ينتبه إلى خطورة معانيها ، حينما قال الله عز وجل :
(سورة آل عمران)
يخاطب الله من ؟ يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام ، من النبي عليه الصلاة والسلام ؟ نبي هذه الأمة ، رسول هذه الأمة ، سيد الأنبياء ، سيد المرسلين ، المعصوم الموحى إليه هو الذي يقع في قمة البشر ، إذا كان البشر هرماً فهو في القمة ، ومع كل هذه الميزات والخصائص ، ومع كل هذا النبي نفسه سيد الأنبياء سيد المرسلين الموحى إليه صانع المعجزات المعصوم سيد ولد آدم ، الذي أسري به وعرج به إلى السماء ، هو نفسه لو كان فظاً غليظ القلب لانفض الناس من حوله ! فإذا كنت مؤمناً ليست لك هذه الميزات ، ولا تلك الخصائص ، ولا هذا التفوق ، مؤمن عادي ، فإذا كنت فظاً غليظ القلب فأن ينفض الناس من حولك من باب أولى ، إذاً أنت لا تستطيع أن تصل إلى قلوب الناس إلا بالكمال .
وكنت أقول لكم سابقاً : الأقوياء يملكون القوالب ، لكن الأنبياء ملكوا القلوب ، وشتان بين أن تملك قالباً وبين أن تملك قلباً ، الأنبياء ملكوا القلوب ، لكن الأقوياء ملكوا القوالب ، فمن أجل أن تكون مسؤولاً عن رعيتك التي هي أسرتك ينبغي أن تكون محسناً ، ينبغي أن تكون كاملاً ، ينبغي أن تكون رحيماً ، ينبغي أن تكون منصفاً ، أن تكون مضحياً ، أن تؤثر مصالح من حولك على مصلحتك .
أيها الإخوة : أجد نفسي مدفوعاً إلى توضيح حقائق نحن في أمس الحاجة إليها ، الإنسان ينبغي أن يعرف حده ، وينبغي أن يقف عنده ، فهذه الأسرة التي جعلني الله سيدها أو رأسها أو قيمها أو رجلها ، هي الأسرة التي أوكلني الله إياها ، وسوف يسألني عنها ، فإذا اعتنى الرجل بأسرته ، والمجتمع مجموعة أسر ، إذا اعتنى كل إنسان بأولاده ، بأخلاقهم ، ودينهم ، وصلواتهم ، ومستقبلهم ، وعلمهم ، وصحتهم ، وحركاتهم ، وسكناتهم ، وإذا اعتنى كل أب ببناته ، بصلاتهن ، واستقامتهن ، وبحشمتهن ، بتربيتهن ، فإذا اعتنى الأب ببناته وأولاده وساعدته الأم على ذلك صلحت هذه الأسرة ، فإذا صلحت كل الأسر جنباً إلى جنب ، صلح المجتمع ، فهذا الذي يدعو إليه النبي عليه الصلاة والسلام ، لا حاجة لأن يكون للإنسان طموحات عريضة جداً واسعة جداً ، تكفيه أسرته إذا اعتنى بها .
وكنت أقول لكم دائماً أيها الإخوة : إن الأبوّة الكاملة يمكن أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة ، إن الأمومة الكاملة يكفي أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة ، وإن البنوّة الكاملة يكفي أن تكون سبباً كافياً لدخول الجنة ، والأحاديث على هذا كثيرة جداً .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ : أَلَكَ وَالِدَانِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)) .
(سنن الترمذي)
وفي حديث آخر عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ((أَنَّ رَجُلا هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ : هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ ؟ قَالَ : أَبَوَايَ ، قَالَ : أَذِنَا لَكَ قَالَ : لا ، قَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا ، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ ، وَإِلا فَبِرَّهُمَ)) .
(سنن أبي داود)
والإنسان أيها الإخوة : إن لم يكن ذا خير عميم لأقرب الناس إليه فلن يكون خيره لأبعد الناس ، لأن في الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ)) .
(سنن الترمذي)
وهناك مثل كنت أستخدمه كثيراً : إن فحص قيادة السيارة يفحص الطالب في أصعب أعمال في القيادة ، يفحص بأن يعود بالمركبة القهقرى ، في طريق ملتو ، وإشارات خفيفة ، حيث لو تجاوز واحدة وقعت فكشف أمره ، لماذا إذا أتقن العودة بالمركبة القهقرى بطريق ملتو ضيق محصور بعلامات خفيفة ، ونجح في هذا ، هنا فقط أصبح كل شيء سهلا عليه ، والنبي عليه الصلاة والسلام جعل مقياس فضل الإنسان لا انضباطه الخارجي ، ولكن انضباطه في بيته ، جعل المقياس للانضباط الداخلي ، لأن داخل البيت لا يوجد رقابة ، ولا يخشى الإنسان على سمعته وهو في بيته ، ولا يخشى وهو في بيته أن يتحدث الناس عنه بما لا يرضى ، وهو في البيت عليه أن يكون كاملاً حتى يتحقق هذا الحديث الشريف : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) .
بالمناسبة أيها الإخوة : لا تعتقد أبداً أنه يمكن أن تعفى من مسئوليتك تجاه أولادك وزوجتك أمام الله عز وجل ! لو قلت : إن المجتمع فاسد ، لو قلت : هناك بلوى عامة ، لو قلت : المجتمع أصبح في فساد عريض ، هذا الكلام لا يعفيك من المسؤولية ، لو قلت : المدارس لا يوجد فيها توجيه صحيح مثلاً ، يوجد فساد عام ، هذه الكلمات كلها لا تعفيك من أن الله سبحانه وتعالى سيسألك عن أولادك يوم القيامة ، وإن كان تربية الأولاد في زمن الفساد أصعب منه في زمن الصلاح ، هذا شيء ثابت ، لكن الأجر على قدر المشقة .
أردت من هذا الحديث أننا عندما نقيم الإسلام في بيوتنا ، ولدينا دائرة أخرى أذكرها لكم دائماً : أعمالنا إذا أقمنا أمر الله عز وجل في بيوتنا وفي أعمالنا ، هنا تنتهي مسؤوليتنا ، هذا الذي في قدرتنا هذا الذي أوكله الله إلينا ، هذا الذي سيحاسبنا الله عنه ، هذا الذي نحن قادرون على أن نصلحه ، عندئذٍ ننتظر من الله عز وجل العلي القدير أن يغير هو الشيء الذي لا نستطيعه ، لو أن السماء شحت في الأمطار ، هل نستطيع إنزال الأمطار ؟ لا هذه فوق طاقتنا ، فالحركة منطقية جداً .
(سورة الرعد)
إذاً : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ)) ، هل يوجد إنسان ممكن ألاّ يكون مسؤولا ؟ إلا بحالات نادرة إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب ، إذا سلب من إنسان عقله سقطت عنه المسؤولية ، أما إذا أُودِع في الإنسان عقلٌ ، لو كان الابن أمينًا على مال أبيه ، هناك أولاد يتلفون أموال آبائهم ، أبسط مثل : حينما تستهلك الكهرباء استهلاكا غير منطقي فالابن لا يشعر بالمسؤولية ، لا يشعر أن هذه طاقة يجب أن يستهلكها استهلاكاً مع حكمة ، فإذا أسرف في استهلاك هذه الطاقة ، وجعل أباه يدفع مبلغًا فوق طاقته فقد خان الأمانة ، هذا الطفل الذي في البيت ، فالابن مسؤول والزوجة مسؤولة ، ((أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة)) .
لا يجب على الإنسان أن يهمل ما أوكله الله به ، ويتطلع إلى آفاق هو معفى منها ، المرأة أوكلها الله ببيت زوجها وبأولادها ، وبتأمين حاجاتهم وطعامهم وشرابهم ، وتهيئة البيت المريح لهم ، وتهيئة الحاجات النظيفة لهم ، الله سبحانه وتعالى أوكل هذا إلى المرأة ، فإذا قصّرت في واجبها وتطلعت إلى عمل آخر ، هذا يوقعها في التناقض ، لأن درءَ المفاسد مقدم على جلب المنافع .
هذه الأفكار وإن بدت بسيطة هي خطيرة جداً ، لأن الإنسان إذا سعد في بيته أنتج في عمله ، حينما تهيئ الزوجة لزوجها جواً مريحاً ، وعلاقات طيبة ، وحاجات موفورة وبيتاً منظماً هذا يدعو الزوج إلى أن يضاعف إنتاجه خارج البيت ، وهذا الذي يقولونه دائماً : إن كل إنسان ناجح وراءه زوجة مخلصة ، هذا كلام جزء منه صحيح ، إلى حد ما مقبول .
((وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) .
طبعاً كلمة الأهل هنا لا تعني الزوجة فقط ، تعني الوالدين إذا كانا عند الابن ، وربنا عز وجل قال :
(سورة الإسراء)
يكون الابن في أحد أطوار حياته عند أبيه مكاناً وإشرافاً وإنفاقاً ، لكن في طور آخر يكون الأب عند ابنه مكاناً وإشرافاً وإنفاقاً ، فإذا أصبح الأب عندك ، وأنت عنه مسؤول ، فهذا من أهلك وحاسب عنه .
فالوالدان والأولاد والزوجة ، أولاً ينبغي أن ينفق عليهم ، وما من مرض أشد في إفساد ذات البين من الشح ! وربنا عز وجل قال :
(سورة الحشر)
فأولاً ينبغي أن تنفق عليهم ، وثانياً ينبغي أن تعلمهم أمر الدين ، أن تنفق عليهم حتى يشعروا بالامتنان لأن الله سبحانه وتعالى في بعض الأحاديث القدسية يقول : ((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جُبِلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها)) ، فالابن إذا رأى أن أباه يغدق عليه من الحاجات التي هي في أمس الحاجة إليها يميل قلبه ، عندئذٍ يأتي تعليم الدين ، إذاً الإنفاق عليهم وتعليمهم أمر دينهم وترغيبهم في الخير .
هناك آباء يدرب أولاده في سن مبكر على الإنفاق على معاونة الضعيف على إكرام اليتيم على الإحسان على التصدق على بر الوالدين على صلة الأرحام ، فكلما كان الأب أكثر قرباً من الله عز وجل ، هناك آباء تجار يصطحبون معهم أولادهم في سفر التجارة ، يقول لك : حتى أعلمه السفر ، ونزول الفنادق ، واللقاء مع مدير شركات ، فإذا كان طموح الأب أن يكون ابنه تاجراً كبيراً منذ نعومة أظفاره يعلمه على بعض أساليب التجارة وبعض خبراتها ، أما الأب المؤمن فعليه أن يعلم ابنه منذ نعومة أظفاره على حفظ كتاب الله ، وعلى التأدب بآداب الإسلام ، وعلى حب النبي عليه الصلاة والسلام ، وعلى طلب العلم ، وعلى الأنس بأهل الله عز وجل .
وعليه أن يحذرهم ، أحياناً يسلك الآباء سلوك المنع ، أنا أرى أن التحصين الداخلي للابن أنجع من المنع الخارجي ، الكبت ربما انتهى إلى انفجار ، المنع الخارجي ربما أغرى الابن بالانحراف ، أما إذا حصنته من الداخل بالعلم بالإقناع بالتعليم بأن يعيش في بيئة راقية هذا أرقى بكثير من أن تكون قامعاً له ، القمع قد يؤدي إلى انحراف خطير ، لكن التحصين الداخلي بالعلم هذا يؤدي إلى تحصين خارجي لذلك سيدنا علي يقول : العلم خير من المال لأن العلم يحرصك ، وأنت تحرص المال ، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق .
الحقيقة الآن في الظروف الصعبة ظروف المعيشة وشراء البيوت وتأسيسها ، قضايا الزواج الآباء مسؤولون أمام الله عز وجل عن تزويج أبنائهم كل بقدر استطاعته .
(سورة البقرة)
لكن الآباء الأبطال الذين يقلقون لضياع أبنائهم ، ولمصيرهم السري فهم يحرصون على تأمين زواجهم وتأمين استقرارهم ، هذا من العمال الطيبة والراقية جداً ، والشباب الآن في أمسِّ الحاجة إلى آباء يجعلون نصب أعينهم تزويج أولادهم وتأمينهم ، والآية الكريمة :
(سورة النور)
الأيامى جمع أيم ، ومعنى الأيم الذي لا زوجة له ذكراً كان أو أنثى ، فمعنى أنكحوا الأيامى زوجوا الفتيات ، وزوجوا الشباب ، الفتاة والشاب بحاجة إلى الزواج ، الشاب بحاجة إلى زواج بتيسير وسائل الزواج ، المسكن ولو كان متواضعًا ولو كان بمكان بعيدًا ، ولو كان غرفة واحدة تيسير المسكن وتيسير الحاجات الأساسية ، وتزويج الفتاة يكون بالتساهل مع الخاطب المؤمن قال تعالى :
(سورة القصص)
فالآباء إذا لم يشقوا على خاطبي فتياتهم ، والأبناء إذا توافرت لهم سبل الزواج ، نكون قد طبقنا هذه الآية :
من حقوق الأهل على الأب أن يطعمهم مما يأكل ، وأن يلبسهم مما يلبس ، وأن يحسن أسماءهم ، وعليه حق الدين أن يختار لهم الأم الصالحة ! أول حق للأولاد على أبيهم أن يحسن اختيار أمهم لأن علاقة الأولاد بأمهم أشد بعشرات المرات من علاقتهم بأبيهم .
الآن لدينا حالة نجدها في المجتمع ، هناك آباء كثيرون يردون خطاب بناتهم إما بداعي احتقارهم لفقر الخطاب ، أو انتظاراً للخاطب الغني ، أو رغبة في الحسب أو النسب ، إلى أن يعضلها فتبقى عانساً ! لذلك قال تعالى :
(سورة النور)
والآية دقيقة جداً : فالأب الذي يعضل بناته يضع العقبات تلو العقبات أمام خطابها ينتظر الغني ، ينتظر صاحب الحسب والنسب ، ينتظر الشاب الذي لا يتوافر مثله إلا في المئة ألف ، هذا الأب قد ينتهي به المطاف إلى أن يلقي ابنته بلا زوج ! وعندئذٍ يكون قد قوّى فيها دافع الشهوة ، فإذا زلت قدمها ففي رقبة الأب ، لأنه هو السبب !
قرأت قبل أيام مقالة كتبتها كاتبة تقول ملخصه : خذوا كل شهاداتي وأعطوني زوجاً ، لأن حاجة الأمومة التي أودعها الله في قلب الأنثى تفوق أية حاجة ! حاجة الأمومة ، فالمرأة لا شيء يملأ فراغها كإبن تربيه ، أو فتاة تربيها ، فالآباء عليهم أن ينتبهوا كثيراً ، هناك آباء مسافرون مقيمون في بلاد أجنبية ، لا أحد يخطب فتياتهم ! هؤلاء إذا بقوا هناك فالانحراف متوقع من الفتيات ، أو أن تبقى الفتاة بلا زوج أيضاً هذا شيء متوقع ، أعرف أشخاصاً كثيرين وهم في أوج نجاحهم في بلاد الغرب جمعوا أمتعتهم ، وعادوا إلى بلدهم ، ضماناً لمستقبل فتياتهم ! .
فالإنسان يعيش ليؤدي رسالة ، وأولاده وبناته أحد أكبر بنود هذه الرسالة .
الآن كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ((الرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)) .
نساء الصحابة رضوان الله عليهم كنا يخدمن أزواجهن ، ويربين أولادهن ، ويدبرن منازلهن ، بل ويساعدن أزواجهن في أعمالهم ، فهذا فضل كبير تكسبه المرأة إذا كانت مضحية معطاءة ، فلذلك كانت تقول الصحابية الجليلة لزوجها قبل أن يخرج من بيته : " يا فلان نصبر على الجوع ، ولا نصبر على الحرام " ، فالمرأة التي لا تحمل زوجها فوق طاقته تتلطف بطلباتها ، مؤونتها قليلة ، طلباتها يسيرة ، لا تحرج زوجها ، لا تدفعه إلى أن يكسب مالاً حراماً ، لا تدفعه إلى أن يكون ابناً شقياً بعيداً عن أهله ، المرأة الصالحة المؤمنة هي التي تقل طلباتها ، ويعظم خيرها ، لذلك إذا أدت المرأة ما عليها دخلت جنة ربها .
والمرأة كما تعلمون أيها الإخوة : ليس بينها وبين الجنة كما قيل إلا الموت ، فالمرأة الصالحة ليس بينها وبين الجنة إلا أن تموت ، فإذا ماتت فهي في الجنة ، لأنها صلت خمسها، وصامت شهرها ، وحفظت نفسها ، وأطاعت زوجها ، فدخلت جنة ربها .
والمرأة على دين خليلها ، بالمناسبة طبيعة المرأة طبيعة انقيادية منفعلة ، ولولا هذه الطبيعة لما رأيت زوجين تحت سقف واحد ! لولا أن المرأة من طبيعتها أنها انفعالية انقيادية ، تفتخر أن يقودها زوجها ، وأن يحميها زوجها ، لولا أنها بهذه الطبيعة لما رأيت زوجين تحت سقف واحد ، الرجل قيادي المرأة تميل إلى أن تكون منقادة بزوجها ! وهذه من نعم الله الكبرى ، فهذه المرأة التي تترك القيادة لزوجها هذه إذا أطاعت ربها حينما تطيع زوجها دخلت جنة ربها ! لذلك الله سبحانه وتعالى يقول :
(سورة التحريم)
هذه آية أصل ، القرآن الكريم دقيق جداً ، فالإنسان أحياناً يقرأ ، يقول الله لك :
أنت مسؤول عن أهلك .
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((المرأة على دين خليلها)) ، هكذا المرأة من طبيعتها الانفعال بمعنى أنها تابعة وليست متبوعة ، ((وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)) .
تسره إذا حضر بهندامها ، وعنايتها بمظهرها وتحفظه إذا غاب في نفسها وماله وولده ، ومن حفظت نفسها ، وبرت زوجها ، وأدت حق ربها لن يكن بينها وبين الجنة إلا الموت ، أي أصبحت على أبواب الجنة !
لكن لئلا يظن الزوج أن له كل شيء ، وأنه ليس لها شيء ، قال تعالى :
(سورة البقرة)
لا يوجد إنسان أيها الإخوة يسعد في حياته الزوجية إلا إذا كان واقعيًا ، وكان منطقيًا ، كما أنه يحب أمه ، كذلك هي تحب أمها ، فإذا أردت أن تكون بارة لأمك ، وأنت عاقاً لأمها لا تستقيم حياة زوجية بهذه الطريقة ! أردتها أن تكون بارة لأمك ، لأنها أمك ، واستخففت بأمها فهذا موقف متناقض غير مقبول ، لذلك هذا العش سرعان ما يتهدم ، لأننا خالفنا طبيعة النفس البشرية ، لذلك :
وربنا عز وجل يقول :
(سورة آل عمران)
أحياناً الإنسان يكون عنصريًا ، يظن نفسه من طبيعة أخرى غير طبيعة المرأة ، الله عز وجل يقول :
(سورة الأعراف)
من طبيعة واحدة ، مكلفة كما أنت مكلف ، مكلفة بالإسلام كما أنت مكلف بالإسلام ، مكلفة بأركان الإيمان كما أنت مكلف بأركان الإيمان ، فأنت متساوٍ مع امرأتك في التكليف والتشريف ، أنت مكلف كما هي مكلفة ، وأنت مشرف كما هي مشرفة .
والحقيقة حينما تكون المرأة فقيهة تعرف واجباتها تجاه زوجها وأولادها ، وتعرف واجباتها تجاه ربها ، وحينما تكون فقيهة تعرف أحكام العبادات وأحكام المعاملات ، هذه تربي أسرة بأكملها ، لذلك آمال كبيرة جداً معقودة على أن تكون المرأة المسلمة تعرف أمر دينها ، وأمر الحياة التي تعيشها ، لذلك الأولاد الذين تنجبهم امرأة تعرف الله عز وجل أولاد سعداء لأنهم ينشؤون كما تعرفون في ظل رعايتها وعلمها ، وليس بعيداً عنكم قول المرأة التي اشتكت النبي عليه الصلاة والسلام قالت : ((إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال فلما كبرت سني ونفر بطني وتفرق أهلي وذهب مالي ، قال لي : أنت علي كظهر أمي ، ولي منه أولاد إن تركته إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا)) ، هو الذي يكسب الرزق .
أحياناً الأم الجاهلة ، تعلم ابنها الكذب ، لأنها تكذب أمامه على زوجها ، تعلمه الإهمال أحياناً تعلمه عدم الانضباط ، تخيفه وتنشئ عنده عقد نفسية من أجل أن تسكته تخيفه بكلمات لا معنى لها ، هنا يوجد غول ، هنا بعبع ، هنا كذا ، يوجد أشياء خطيرة جداً ، هذه كلها عقد ينشأ عند الطفل عقد ، بدل أن تعلمه أمر الله عز وجل وأمر التوحيد وأمر القرآن ، فلذلك يجب أن تعتني عناية بالغة بتعليم فتياتنا لأنهن أمهات المستقبل ، تعليم الدين الحقيقي الكتاب السنّة الواجبات .
والله آلاف الأسر أيها الإخوة : تنهار لا لسبب وجيه بل بجهل المرأة لتقصير أبيها في تعليمها أمر دينها ، لتقصير أبيها وأمها في تعليمها حقوق الزوج وحقوق الأولاد .
الآن : ((وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ)) ، تقريباً موظف ، مؤسسة تجارية فيها موظفين ، الشيء المألوف الآن أنت موظف بهذا المحل ، هذا المال الذي تحت إشرافك هذا المال أمانة في عنقك فلذلك الخادم يُسأل عن مال سيده هل رعاه أم ضيعه ؟ أتلفه أم صانه ؟ كثير من الأشخاص في غياب صاحب المحل لا يبيع أو يكون قاسيًا مع الزبائن ، ويمكن أن يصرف عشرات الزبائن حتى لا يتعب ، الحياة لا تستقيم إذا لم يكن فيها أمانة ، أما إذا كان هناك إنسان مخلص لصاحب المحل فنشاطه في حضوره وفي غيبته واحد ، هذا المؤمن .
والولد أيضاً مسؤول عن مال والده ، أكثر مشاكل الأسر اليوم الولد القوي يأكل حق الصغير ، الكبير يأكل حظ الصغير ، والذكر يأكل حق الأنثى ، أكثر الأسر تجد أن الأبناء أكثر الإرث بيدهم ، والفتيات محرومات من حقهن الشرعي في مال أبيهن ، فعندما يعتدي الأخ الذكر على حقوق إخوته الإناث ، أو الأخ الأكبر يعتدي على حقوق أخواته الصغار أصبح هناك اختلال في الميزان ، هذه الأسرة تنتهي بعداوات لا حد لها ، أنا والله مطّلع على بعض القصص التي لا تصدق ، يوجد عداوات بين الإخوة بسبب هضم الحقوق والعدل والسوية في توزيع الإرث ، عداوات لا حصر لها ، فالابن مسؤول عن مال والده الذي تركه ، يجب أن يعطي كل ذي حق حقه .
ودائماً هذه الآية الكريمة يقع الناس في حيرة فيها :
(سورة التغابن)
من تفسيرات هذه الآية عندما يعصي الإنسان الله عز وجل بضغط من زوجته وبضغط من أولاده ، ثم يلقى الله عز وجل ليحاسب عن عمله حساباً عسيراً يرى أن هذا الابن الذي عصى الله من أجله انتهت لعاقته به إلى عداوة ، ويرى هذه الزوجة التي عصى الله من أجلها انتهت علاقته بها إلى عداوة ، فهذا أحد معاني هذه الآية .
الإنسان أحياناً يخسر الجنة من أجل أهله المارقين من الدين ، هو يعمل ليلاً نهاراً وأهله من أجل إنفاق الأموال الطائلة على المباهج وعلى المعاصي ، هو يتحمل اسم الغش والكذب وكسب المال الحرام لينفق أهله هذا المال على أمور لا ترضي الله عز وجل ، فعلى الإنسان أن ينتبه لهذه الناحية .
نعيد على مسامعكم هذا الحديث ، والحقيقة أن هذا الحديث الآن يحل مشكلات المسلمين الفساد العام هذا الفساد العام في الطرقات في خروج الفتيات مثلاً ، كل فتاة لها أب لها بيت ، كيف أطلقها أبوها ؟ كيف سمح لها أبوها بان تخرج بهذا الشكل ؟ فلذلك : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا و مَسْؤولةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، قَالَ : وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) .
(رواه البخاري ومسلم)
وبصراحة أيها الإخوة : نحن لم نألف أن نتكلم كلامًا ، نستمع إلى كلام لا طائل منه ، هذا كلام رسول الله ، هذا كلام الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، هذا كلام سماه علماء الحديث وحياً غير متلو ، هذه حقائق ، فأنتم لا تسعدون إلا إذا سعدتم بأهلكم ، لا تسعدون إلا إذا انتظمت حياتكم في البيت ، لا تسعدون إلا إذا كان بيتكم إسلامياً ، وهذه مسؤولية كبيرة منوطة بكل مسلم ، وحينما تصلح الأسر يصلح المجتمع .
شيء طبيعي جداً ، صلاح المجتمع تحصيل حاصل إذا أصلحنا الأسر صلح المجتمع ، لا حاجة لأن نطمح لأكثر من إصلاح أهلنا وأولادنا وبيتنا ، أما إذا كان هناك منافذ للضلال ومنافذ للهو وهناك أشياء تفسد وفي المنزل أشياء تفسد الأخلاق ، فالأب مسؤول مسؤولية كبيرة جداً ، ويأتي وقت يفقد السيطرة كلياً على من في البيت ! وعندئذٍ والله كل يوم يشعر بطعنات في صدره كطعنات الخنجر ! إذا كان أهمل أولاده أطلق لهم الحرية ، نشؤوا على معاصي على أشياء لا ترضي الله عز وجل فلما كبرت سنهم وشعروا بقوتهم تمردوا على أبيهم وأمهم ، واستعلوا عليهم ، والأب عندئذٍ يكاد قلبه يعتصر ألماً ، وتكاد نفسه تذوب هماً حينما يرى أولاده على غير شاكلته ، ويرى أولاده على غير المنهج الذي أراده الله عز وجل ، هذا الكلام أقوله لكم لا عن ثقافة ولا عن معلومات حصلتها ، ولكن والله هي عن خبرات ، لا تسعدون إلا إذا سعدتم بأهلكم بزوجاتكم وأولادكم وبناتكم ، لا تشعر بالتوازن إلا إذا كان هذا البيت إسلامياً ، فالأمر يحتاج إلى تشمير ، يحتاج إلى إكرام يحتاج ، إلى صبر يحتاج إلى تؤدةٍ ، يحتاج إلى وعي ، إلى تخطيط من أجل أن تنقل هذه الأسرة إلى مصاف هذه الأسر الإسلامية ، بيت القرآن ، قد يكون الحديث كله ليس عن القرآن ، وليس عن الصحابة وليس عن القيم العليا ، ولكن عن الساقطين والساقطات .
يمكن أن يكون الحديث في البيت عن أهل الانحراف وأهل الفجور ، عن أزيائهم وحفلاتهم ، وعن نزهاتهم ، وعن طريقة نومهم واستيقاظهم ، وعن تمريناتهم ، وعن لقاءاتهم ، يكون البيت مشحونًا بأفكار ومعلومات لا تليق بالمسلم ، إذا قطعت المنافذ السيئة ، وفتحت المنافذ النظيفة تجد أن هذا الابن سمت نفسه ، وارتقت عزائمه وأصبح في المستوى الذي يرضيك ، فنحن لا يعنينا أن إخواننا الكرام في المسجد سعداء بربهم ، وسعداء بدينهم ، وسعداء بهذا الهدى ، يعنينا أن يسعدوا أيضاً بأهلهم ، يعنينا أن تكون بيوتهم إسلامية ، لكن بالحكمة والموعظة الحسنى .
دائماً تذكروا هذه الآية ، يخاطب الله النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق ، وهو المعصوم ، والذي أسري به ، وعرج إلى السماء صاحب المعجزات يقول له :
(سورة آل عمران)
حدثني أخ بقصة تأثرت لها كثيراً : هو كان في بلد من بلاد النفط بلد عربي ، فيوجد حاجب أو خادم أو فراش من بلاد شرقي آسيا يعمل في هذه المدرسة هو مدرس ، قال لي : مرة مدرس قدم له كأس من الشاي ، هو استغرب فهؤلاء من قلة شأنهم لا يبالي بهم أحد ، ولا يسلم عليهم أحد ، فراش يمسح الأرض ويكنس ، فالمدرس مسلم ، والمسلم ليس عنده عنصرية قدم له كأس من الشاي لهذا الفراش ، فتعجب هذا الفراش وسأله : لماذا قدمت لي هذا الكأس مع أن أحداً في هذه المدرسة لا يسلم علي ؟ قال له : بدافع أنك أخ في الإنسانية وأراك تتعب ، قال له : أريد أن أتعرف إلى دينك ، طبعاً هو وثني ، أعتقد أنه بوذي ، على كلٍّ وثني ، هذا الإنسان معه ليسانس بالعلوم الطبيعية لكن من فقره الشديد جاء من بلاده ليعمل فراش بمبلغ زهيد ، فهذا الكأس من الشاي الذي قدمه له لفت نظره ، قال لي : جلسنا معه حوالي خمسة أيام متتاليات كل يوم حتى الساعة الثانية عشرة ، حتى بينت له القرآن والعقيدة ، قال : أسلم وأحسن الإيمان ، فالدعوة إلى الله تحتاج إلى نعومة إلى احترام للإنسان إلى لطف إلى حكمة بالغة إلى قيم إنسانية ، هذا المدعو إنسان له مشاعر وكرامة ، هذا المدعو إنسان عنده أحاسيس ، إذا راعيت الأحاسيس ، وكنت محسنًا متواضعًا لطيفًا لا يعلم إلا الله الخير الذي قد ينجم من أخ يدعو إلى الله بالحكمة ، وربنا عز وجل قال:
(سورة النحل)
أحياناً خدمة تقدمها لإنسان أبلغ من محاضرة ، أحياناً ابتسامة تبتسم بها أمام موظف خائف ، أو يشعر أن بينك وبينه مسافة كبيرة جداً ، ابتسامتك اللطيفة في وجهه تطمئنه ، وتبث فيه الشعور بالولاء لك ، أحياناً ابتسامة أو كلمة الله يعطيك العافية ، هذه تؤثر ، فالمؤمن عنده حصافة وحكمة فقد يملك قلوب الناس بحكمته وتواضعه وباهتمامه بالآخرين ، أحياناً يكون الإنسان قد لفّ يده ، قل له : خير إن شاء الله ، حقيقة هذا أخوك ، يقول لك : يدي مكسورة وضمدتها ، تجيبه : عافاك الله ، ماذا كلفتك هذه الكلمة ؟ كلفتك اهتمامك به ومحبتك له ، وبأننا بحاجة لأن نكون كتلة واحدة ، المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ، أنا والله لاشيء يسعدني كأن أرى المؤمنين عامة ، وليس إخوان جامعنا فقط ، هذه نظرة ضيقة جداً ، المؤمنين عامة متحابون متعاونون متواصلون متزاورون ، هذا الذي يرضي الله عز وجل .
أيها الإخوة :
من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ، الموقف الأخلاقي أبلغ من خمسين محاضرة ، والإنسان يصل إلى أهدافه بالبر والإحسان والكلمة الطيبة أضعاف مما يصل إلى أهدافه بالقسوة والعنف ، والنبي الكريم يقول : ((علموا ، ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف)).
(تصحيح السيوطي: ضعيف )
فكل درس أجعل له محور ، هذا الدرس إن شاء الله محوره نحن مسؤولون أمام الله عن بيوتنا وزوجاتنا وأولادنا وفتياتنا ، فعلينا أن نعنى بهم ، والأب عندما يعتني بأولاده وهم صغار ينشؤون على طاعة الله ، فإذا أهملهم صغاراً دققوا في هذا الكلام : إذا أهملهم صغاراً ، لا يستطيع أن يقودهم كباراً ، الأمر يخرج من يده وانتهى ، والحسرة التي تملأ قلب الأب الذي أهمل ولده صغيراً فانحرف ، ولا يقوى على تربيته كبيراً ، هذه الحسرة لا يعرفها إلا من ذاقها ، اسأل رجل أهمل ابنه صغيرًا ، فلما شبّ ابنه عن الطوق انحرف انحرافاً شديداً ، أسرة بأكملها تشقى بهذا الابن .
فإخواننا الشباب الذين تزوجوا حديثاً أولادهم أمانة في أعناقهم ، لينشأ ابنك على محبة الله ورسوله على تلاوة القرآن على ارتياد المساجد ، ليكن معك دائماً من أجل أن تضبط سيره وحركته ، فنحن مسؤولون عن أسر إذا صلحت البيوت صلح المجتمع ، فنحن نهمل أسرتنا ونتطلع إلى آفاق واسعة جداً ، ونسلك طريق غير صحيح طريق العنف ، هذا أسلوب ما أنزل الله به من سلطان وأسلوب لا يرضي الله عز وجل ، الأقربون أولى بالمعروف وبالهداية وبالعناية وبالتوجيه وهكذا .
والحمد لله رب العالمين