إن هذه الحالة الارتباكية التي تحدث لك هي نوع من القلق النفسي، والقلق النفسي الذي لديك كان قلقًا إيجابيًا، وهو الذي ساهم بشكل ملحوظ في النجاح والقدرة على التواصل بجرأة في الشخصية فيما سبق، وبعد ذلك وربما يكون لاكتساب خبرة سلبية تحول هذا القلق إلى قلق سلبي، وبدأ يظهر في شكل ما نسميه بالرهاب الاجتماعي الظرفي، ذي الطابع الوسواسي، ويظهر أنه تكونت لديك فكرة وسواسية حول الرجال، حتى وإن كانوا من المحارم أو الأقرباء، وتكونت لديك هذه المخاوف، وأصبحت تفتقدين القدرة على المواجهة، ويحدث لك هذا الارتباك وبقية التفاعلات الأخرى التي ذكرتها في رسالتك، فالأمر كله يدور حول القلق، والقلق بمكوناته الوسواسية هو الذي أدى إلى كل الذي تعانين منه.
هذا بالطبع يعالج بالتجاهل والتحقير، أن تتجاهلي الفكرة، أن تحقريها، وأن تناقشيها مع ذاتك، لابد أن يكون هذا النقاش نقاشاً استبصارياً، بمعنى أن تتأملي الفكرة وتقومي بتجزئتها إلى أجزاء صغيرة، وتحقري كل جزئية في هذه الفكرة، وبعد ذلك تبني فكرة جديدة كنوع من الاستبدال والتعويض عن الفكرة الوسواسية، ولابد أن تكون الفكرة الجديدة فكرة مخالفة للفكرة الوسواسية تمامًا، مثلاً تقولين (ما الذي يجعلني لا أنظر إلى أرحامي من الرجال، هذه فكرة سخيفة، الكل يقوم بذلك، فلماذا لا أكون مثلهم) وهكذا.
يمكنك أيضًا أن تطبقي بعض التمارين السلوكية في الخيال: تأملي أن أحد محارمك من الرجال يتحدث معك، واضطر الأمر منك أن تناقشيه بشيء من الجدية والحدة، وحدث بعد ذلك أن تطور الحوار إلى حوار طويل فيه أخذ ورد، عيشي هذا الخيال لمدة لا تقل عن عشرين دقيقة، وفي اليوم الثاني يمكنك أن تنتقلي إلى خيال آخر وهو مثلاً أن أحد أقربائك من الرجال كان مريضًا وأنت طالبة في كلية الطب، ولابد أن تتعاملي معه من أجل مساعدته، وقد قمت بفحصه ومن ثم قمت باصطحابه إلى الطبيب، وهكذا.
هذا النوع من التمارين السلوكية التي تسمى بالمواجهة في الخيال، تساعد كثيرًا متى ما طبقت بصورة صحيحة، فإذن التجاهل، تحقير الفكرة، المواجهة في الخيال، وبعد ذلك التطبيق، هي الأسس السلوكية التي تفيد في مثل هذه الحالات.
بصفة عامة نحن ننصح أيضًا بممارسة تمارين الاسترخاء، تمارين الاسترخاء خاصة تمارين التنفس المتدرج وجد أنها تساعد في زوال القلق، وكذلك في زوال المخاوف والوساوس، يمكنك أن تتحصلي على كتيب أو شريط يوضح كيفية إجراء هذه التمارين، أو يمكنك التواصل مع أحد الأخصائيات النفسيات لتقوم بتدريبك على هذه التمارين أو يمكنك تصفح أحد مواقع الإنترنت ومن ثم يمكنك تطبيق هذه التمارين كما ذكرنا بدقة والتزام.
هذه هي الأسس السلوكية التي أراها جيدة بالنسبة لك، ولاشك أن الإكثار من التواصل الاجتماعي والانخراط في الجمعيات الاجتماعية والثقافية والخيرية والانضمام لحلق تلاوة القرآن، هذا كله فيه نوع من الترويض والتدريب النفسي المهاراتي الذي يساعد على التواصل الاجتماعي.
كثير من المختصين يرون أن الوساوس القهرية تتطلب العلاج الدوائي، وعمومًا أنا سوف أترك لك هذا الخيار، وأعتقد أنك إذا تناولت أحد الأدوية البسيطة يمكن أن يساعدك هذا كثيرًا.
الدواء يعرف باسم (ديروكسات Deroxat) واسمه الآخر التجاري أيضًا هو (زيروكسات Seroxat) واسمه العلمي هو (باروكستين Paroxetine) والجرعة المطلوبة في حالتك هي جرعة صغيرة، وهي عشرة مليجرام يوميًا بعد الأكل، يفضل تناوله مساءً، وبعد أسبوعين ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة من فئة العشرين مليجرامًا، وهذه تعتبر جرعة صغيرة بالطبع، استمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى نصف حبة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
الزيروكسات سوف يعطيك ركيزة علاجية قوية جدّاً، تستطيعين من خلالها أن تكوني في حالة استرخاء وسلام وأمن مع الذات، ومن ثم يسهل عليك المواجهات والتطبيقات السلوكية الأخرى، والدواء غير إدماني وغير تعودي ولا يؤثر على الهرمونات النسوية، والجرعة التي وصفناها لك كما ذكرنا لك هي جرعة صغيرة، حيث إن الجرعة قد تصل حتى أربع حبات في اليوم ، ولكنك لست في حاجة لكل هذا.