من ضحايا الحجاج بن يوسف الثقفي
الحمدلله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
لاشك ولاريب أن الحجاج بن يوسف أحد الذين تركوا بصمة سوداء في تاريخه المظلم كم من مظلوم ومقتول مات على يديه وقد تكلم عليه العلماء بما فيه الكفاية وقد جمعت هذه المادة العلمية في وقت وجيز جداً ولم أقصد الاستيعاب ولا التفصيل إنما مجموعة من الآثار الواردة في سيرة هذا الطاغية المبير وهذه ترجمة مختصرة للحجاج بن يوسف
هو الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي الأمير الشهير ولدسنة 45 أو بعدها بيسير ونشأ بالطائف وكان أبوه من شيعة بني أمية وحضر مع مروان حروبه ونشأ ابنه مؤدب كتاب ثم لحق بعبد الملك بن مروان وحضر معه قتل مصعب بن الزبير ثم انتدب لقتال ابن الزبير فجهزه أميراً على الجيش فحضر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل ابن الزبير
وقال جماعة إنه دس على ابن عمر من سمه في زج رمح وقد وقع ذلك في صحيح البخاري
قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم
وكفره جماعة منهم سعيد بن جبير ومجاهد وعاصم والشعبي
مات سنة 95 بواسط وهو الذي بناها وهو ابن ثلاث وخمسين في نفس السنة التي مات فيها سعيد بن جبير رحمه الله . تاريخ خليفة بن خياط (307)
قال ابن حجر : لم يقصد الشيخان وغيرهما الرواية عن الحجاج كما لم يقصد البخاري الرواية عن الحسن بن عمارة فإما أن يتركا وإما أن يذكرا وإلا فما الفرق .
تهذيب التهذيب ( 1/ 364)
ومما قيل عن الحجاج .
قال الترمذي : يقال الكذاب المختار بن أبي عبيد والمبير الحجاج بن يوسف
وقال هشام بن حسان : أحصوا ما قتل الحجاج صبرا فبلغ مائة وعشرين ألف قتيل
السنن للترمذي (4: 433)
قال الذهبي : أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلا وكان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء وكان ذا شجاعة وإقدام وكر ودهاء وقد سقت من سوء سيرته بالتاريخ الكبير وحصاره لابن الزبير بالكعبة ورميه إياه بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة وحروب ابن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله فنسبه ولا نحبه بل نبغضه في الله فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله وله توحيد في الجملة ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء .
السير ( 4/ 343)
ضحايا الحجاج : محمد بن سعد بن أبي وقاص الإمام الثقة أبو القاسم الزهري أخو عمر بن سعد روى جملة صالحة من العلم وكان ممن قام على الحجاج مع ابن الأشعث فأسر يوم دير الجماجم فقتله الحجاج روى له الشيخان وأصحاب السنن ( 4/ 349) السير
عن حماد قال : بشرت إبراهيم بموت الحجاج فسجد ورأيته يبكي من الفرح . السير ( 4: 524) ابن سعد ( 6/ 280)
وقيل قدم نافع بن جبير بن مطعم بن عدي على الحجاج فقال الحجاج : قتلتُ ابن الزبير وعبدالله بن صفوان وابن مطيع وددت أني كنت قتلت ابن عمر فقال له ما أراد الله بك خير مما أردت لنفسك قال صدقت فلما خرج قال له عنبسة بن سعيد : لاخير لك في المقام عند هذا قال جئت للغزو ثم ودع الحجاج وسار نحو الديلم .
السير ( 4/ 542) تاريخ ابن عساكر المعرفة والتاريخ ( 565)
قصة إبراهيم التيمي مع الحجاج ( 4/ 563)
وقال الذهبي : وقيل :إن الحجاج ( قاتله الله ) قتل طلقا ً مع سعيد بن بير ولم يصح .
السير( 4/ 602)
سعيد بن المسيب يحصب الحجاج لأنه لايحسن الصلاة ( السير :4/ 226)
وقال الذهبي عن عبد الملك بن مروان : كان الحجاج من ذنوبه . السير ( 4/ 249 )
ومن ضحايا الحجاج :قال الأعمش : رأيت ابن أبي ليلى وقد ضربه الحجاج وكأن ظهره مسح وهو متكئ على ابنه وهم يقولون : العن الكاذبين فيقول : لعن الله الكاذبين : آه ثم يسكت فيقول : علي بن أبي طالب وعبدالله بن الزبير والمختاربن أبي عبيد . وأهل الشام يظنون أنه يوقعها عليهم وقد أخرجهم منها ورفعهم .
وقال الذهبي : روي عن أبي حصين أن الحجاج استعمل ابن أبي ليلى على القضاء ثم عزله ثم ضربه ليسب أبا تراب رضي الله عنه وكان قد شهد النهروان مع علي
السير ( 4/ 267) المعرفة والتاريخ ( 2/ 618)تهذيب التهذيب ( 2/ 549)
ومن ضحاياه أيضاً قال ابن سعد : خرج عطية العوفي مع ابن الأشعث فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي فإن لم يفعل فاضربه مئة سوط واحلق لحيته فاستدعاه فأبى أن يسب فأمضى حكم الحجاج فيه 00الخ
تهذيب التهذيب ( 3/ 115*)
وقال الذهبي : في آل مروان نصب ظاهر سوى عمر بن عبد العزيز رحمه الله
السير ( 5/ 113)
وقال عبدالله بن عكيم ( أدرك الجاهلية ) أنه أرسل إليه الحجاج فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال : اللهم إنك تعلم أني لم أزن قط ولم أسرق قط ولم آكل مال يتيم قط وإن كنت صادقا فادرأ عني شره .
المعرفة والتاريخ ( 1/ 231)
ويروى أن عبد الرحمن بن أبي نعم (ثقةعابد) دخل على الحجاج أيام الجماجم فوعظه.
وذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان من عباد الكوفة ممن يصبر على الجوع الدائم أخذخ الحجاج ليقتله وأدخله بيتا مظلما وسد الباب خمسة عشر يوما ً ثم أمر بالباب ففتح ليخرج ليدفن فدخلوا عليه فإذا هو قائم يصلي فقال له الحجاج : سر حيث شئت !. تهذيب التهذيب( 2/ 560)
وممن قتل أيام الحرة عبدالله بن زيد بن عاصم الأنصاري ذكر الواقدي أنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الوضوء وغيره
قال ابن سعد : بلغني أنه قتل يوم الحرة وقتل معه ابناه خلاد وعلي . تهذيب التهذيب ( 339)
وقال حماد بن أبي سليمان : بشرنا ! إبراهيم( النخعي) بموت الحجاج فبكى وقال : ماكنت أرى أحداً يبكي من الفرح . العلل ومعرفة الرجال (2/ 360)
وقال العلاء بن المغيرة : بشر الحسن( البصري) بموت الحجاج فسجد ! العلل ( 2/ 360)
عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : يأتي زمان يصلون على الحجاج
تاريخ الدوري ( 3/ 506) والمراد بالصلاة هنا هو الدعاء !!
ومن ضحايا الحجاج بن يوسف : ماهان الحنفي الكوفي روى عن ابن عباس وأم سلمة روى أبو داود عن ابن أبي حنيفة قال : رأيت ماهان الحنفي حيث صلبه الحجاج قال إبراهيم : كنا نؤمر بحرس خشبته فنرى عنده الضوء
قال أبو داود : قطع الحجاج يديه ورجليه وصلبه سئل الثوري عن الرجل يقتل أيمد رقبته؟ قال: قال ماهان الحنفي :احملوني أي على الخشبة
وقال البخاري: قتل الحجاج ماهان الحنفي . تهذيب التهذيب( 4/ 16)
ومن ضحاياه أيضا : مصدع أبو يحي الأعرج المعروف بالمعرقب الأنصاري
قال ابن حجر : قيل له المعرقب لأن الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سب علي فأبى فقطع عرقوبه . تهذيب التهذيب ( 4/ 83)
وقيل غير ذلك وهو أحد رواة مسلم
قال ابن عبد البر : الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي أمه فارعة بنت همام بن عقيل بن عروة بن مسعود الثقفي كانت قبل أبيه تحت المغيرة بن شعبة وكان الحجاج عند جمهور العلماء أهلاً لأن يروى عنه ولا يؤثر حديثه ولا يذكر بخير لسوء سره وإفراطه في الظلم ومن أهل العلم طائفة تكفره وقد ذكرنا أخبارهم في كتاب مفرد ولي الحجاز ثلاث سنين وولي العراق عشرين سنة قدم عليهم سنة خمس وسبعين ومات سنة خمس وتسعين . التمهيد ( 10/ 10)
وروى سفيان بن عيينة عن سالم بن أبي حفصة قال : لما أتى الحجاج بسعيد بن جبير قال :إنه شقي بن كسير فقا : ما أنا إلا سعيد بن جبير بذلك سماني أبواي قال : لأقتلنك : قال : إذا أكون كما سماني أبي سعيداً وقال : دعوني أصلي ركعتين فقال الحجاج : وجهوه إلى قبلة النصارى فقالسعيد :(( فأينما تولوا فثم وجه اله قال فضرب عنقه
قال سفيان : فلم يقتل بعد سعيد بن جبير إلا رجلاً واحداً. التمهيد (10/ 9)
قال ابن حبان : المنذر أبو حسان كان حجاجيا يقول : من خالف الحجاج فقد خالف الإسلام . الثقات لابن حبان ( 5 / 421)
ومن ضحاياه ابن الزبير :روى الإمام مسلم بن الحجاج
قال الإمام مسلم حدثنا عقبة بن مكرم العمي حدثنا يعقوب يعني ابن إسحق الحضرمي أخبرنا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة قال فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله فأرسل إليه فأنزل عن جذعه فألقي في قبور اليهود ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتيه فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك قال فأبت وقالت والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني قال فقال أروني سبتي فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها فقال كيف رأيتني صنعت بعدو الله قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك بلغني أنك تقول له يا ابن ذات النطاقين أنا والله ذات النطاقين
أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال فقام عنها ولم يراجعها .
أخرجه الإمام مسلم في فضائل الصحابة
قال الإمام النووي رحمه الله :
وفيه منقبة لابن عمر لقوله بالحق في الملأ , وعدم اكتراثه بالحجاج ; لأنه يعلم أنه يبلغه مقامه عليه , وقوله , وثناؤه عليه , فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق , يشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير , وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله : إنه عدو الله , وظالم , ونحوه , فأراد ابن عمر براءة ابن الزبير من ذلك الذي نسبه إليه الحجاج , وأعلم الناس بمحاسنه , وأنه ضد ما قاله الحجاج . ومذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوما , وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه .
قوله : ( لقد كنت أنهاك عن هذا )
أي عن المنازعة الطويلة .
قوله في وصفه : ( وصولا للرحم )
قال القاضي : هو أصح من قول بعض الإخباريين , ووصفه بالإمساك , وقد عده صاحب كتاب الأجود فيهم , وهو المعروف من أحواله .
قوله : ( والله لأمة أنت شرها أمة خير )
هكذا هو في كثير من نسخنا : ( لأمة خير ) , وكذا نقله القاضي عن جمهور رواة صحيح مسلم , وفي أكثر نسخ بلادنا : ( لأمة سوء ) , ونقله القاضي عن رواية السمرقندي قال : وهو خطأ وتصحيف .
قوله : ( ثم نفذ ابن عمر )
أي انصرف .
قوله : ( يسحبك بقرونك )
أي يجرك بضفائر شعرك .
قوله : ( أروني سبتي )
بكسر السين المهملة وإسكان الموحدة وتشديد آخره , وهي النعل التي لا شعر عليها .
قوله : ( ثم انطلق يتوذف )
هو بالواو والذال المعجمة والفاء . قال أبو عبيد : معناه يسرع , وقال أبو عمر : معناه يتبختر .
قوله : ( ذات النطاقين )
هو بكسر النون . قال العلماء : النطاق أن تلبس المرأة ثوبها , ثم تشد وسطها بشيء , وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل , تفعل ذلك عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها . قيل : سميت أسماء ذات النطاقين لأنها كانت تطارف نطاقا فوق نطاق , والأصح أنها سميت بذلك لأنها شقت نطاقها الواحد نصفين , فجعلت أحدهما نطاقا صغيرا , واكتفت به , والآخر لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه كما صرحت به في هذا الحديث هنا , وفي البخاري , ولفظ البخاري أوضح من لفظ مسلم . قولها للحجاج : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا , فأما الكذاب فرأيناه , وأما المبير فلا إخالك إلا إياه )
أما ( إخالك )
فبفتح الهمزة وكسرها , وهو أشهر , ومعناه أظنك . والمبير المهلك .
وقولها في الكذاب : ( فرأيناه )
تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي , كان شديد الكذب , ومن أقبحه ادعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه . واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد , وبالمبير الحجاج بن يوسف . والله أعلم .